Efrah Ya Qalbi

الأحد، 9 نوفمبر 2008

 

صلوات في هيكل الحب - لأبي القاسم الشابي


عذبةٌ أنتِ كالطفولة كالأحلام كاللحنِ كالصباحِ الجديدِ
كالسماء الضحوكِ كالليلةِ القمراءِ كالوردِ كابتسامِ الوليدِ
يا لها من وداعـةٍ وجَمالٍ وشبابٍ منعّمٍ أملودِ
يا لَهَا من طهارةٍ تبعثُ التقديسَ في مهجة الشقيّ العنيد

يا لها من رقّةٍ تكاد يرفّ الوردُ منها في الصخرة الجلمود
أيّ شيء تراك هل أنت فينيس تَهادت بين الورى من جديد
لتعيد الشبابَ والفرحَ المعسـولَ للعالَمِ التعيس العميـد
أم ملاك الفردوس جاء إلى الأرضِ ليحيي روح السلام العهيد

أنتِ .. ما أنتِ ؟ رسمٌ جَميلٌ عبقريٌّ من فنّ هذا الوجود
فيك ما فيه من غموضٍ وعمقٍ وجمالٍ مقدّسٍ معبود
أنتِ ما أنتِ؟ أنت فجرٌ من السحر تَجلّى لقلبِي المعمود
فأراه الحياةَ في مونق الحُسن وجلّى له خفايا الخلود

أنت روح الربيع تختال في الدنيا فتهتز رائعاتُ الورود
تهب الحياة سكرى من العطر ويدوّي الوجود بالتغريد
كلما أبصرتك عيناي تَمشين بخطو موقّع كالنشيد
خفق القلبُ للحياة ورفّ الزهرُ في حقل عمري الْمجرود

وانتشت روحي الكئيبة بالحبّ وغنّت كالبلبلِ الغرّيد
أنت تحيين في فؤادي ما قد مات في أمسي السعيد الفقيد
وتشيدين في خرائب روحي ما تلاشى في عهدي الْمجدود
من طموحٍ إلى الجمالِ إلى الفنِّ إلى ذلك الفضاءِ البعيد

وتبثين رقّة الأشواق والأحلام والشدو والهوى في نشيدي
بعد أن عانقت كآبة أيامي فؤادي وألْجمت تغريدي
أنت أنشودة الأناشيد غنّاك إلهُ الغناء ربّ القصيد
فيك شبّ الشباب وشّحَهُ السحرُ وشدو الهوى وعطر الورود

وتبثين رقّة الأشواق والأحلام والشدو والهوى في نشيدي
بعد أن عانقت كآبة أيامي فؤادي وألجمت تغريدي
أنت أنشودة الأناشيد غنّاك إلهُ الغناء ربّ القصيد
فيك شبّ الشباب وشّحَهُ السحرُ وشدو الهوى وعطر الورود

وقوام يكاد ينطق بالألحان في كل وقفة وقعود
كل شيء موقع فيك حتى لفتة الجيد واهتزاز النهود
أنت..أنت الحياة في قدسها السامي وفي سحرها الشجيّ الفريد
أنت.. أنت الحياة في رقة الفجرِ وفي رونق الربيع الوليد

أنت .. أنت الحياة كل أوان في رواء من الشباب جديد
أنت.. أنت الحياة فيكِ وفي عينيك آيات سحرها الممدود
أنت دنيا الأناشيد والأحلام والسحر والخيال المديد
أنت فوق الخيال والشعر والفن وفوق النهى وفوق الحدود

أنت قدسي ومعبدي وصباحي وربيعي ونشوتي وخلودي
يا ابنة النور إنني أنا وحدي من رأى فيك روعك المعبود
فدعيني أعيش في ظلك العذب وفي قرب حُسنك المشهود
عيشة للجمال والفن والإلهام والطهر والسنَى والسجود

عيشة الناسك البتول يناجي الرب في نشوة الذهول الشديد
وامنحيني السلام والفرح الروحي يا ضوء فجري المنشود
وارحميني فقد تَهدمت في كون من اليأس والظلام مشيد
أنقذيني من الأسى فلقد أمسيت لا أستطيع حَمل وجودي

في شعب الزمان والموت أمشي تحت عبء الحياة جم القيود
وأماشي الورى ونفسي كالقبر وقلبي كالعالم المهدود
ظلمة ما لَها ختام وهول شائع في سكونِها الممدود
وإذا ما استخفى عبث الناس تبسمت في أسى وجُمود

بسمة مرة كأني أستلّ من الشوك ذابلات الورود
وانفخي في مشاعري مرح الدنيا وشدّي من عزمي المجهود
وابعثي في دمي الحرارة علّي أتغنى مع المنَى من جديد
وأبثّ الوجود أنغام قلب بلبليّ مكبلٍ بالحديد

فالصباح الجميل ينعش بالدفء حياة المحطم المكدود
أنقذيني فقد سئمت ظلامي أنقذيني فقد مللت ركودي
آه يا زهرتي الجميلة لو تدرين ما جدّ في فؤادي الموحود
في فؤادي الغريب تُخلق أكوانٌ من السحر ذات حسن فريد

وشُمُوس وضاءة ونجوم تنثر النـور في فضاء مديد
وربيع كأنه حلم الشاعر في سكرة الشباب السعيد
ورياض لا تعرف الحلك الداجي ولا ثورة الخريف العتيد
وطيـور سحرية تتناغى بأناشيد حلـوة التغريد

وقصور كأنها الشفق المخضوب أو طلعة الصباح الوليد
وغيوم رقيقة تتهادى كأباديد من نُثـار الورود
وحياة شعرية هي عندي صورة من حياة أهل الخلود
كل هذا يشيده سحر عينيك وإلهام حسنك المعبود

وحرام عليك أن تهدمي ما شاده الحسن في الفؤاد العميد
وحرام عليك أن تسحقي آمال نفس تصبو لعيش رغيد
منك ترجو سعادة لم تجدها في حياة الورى وسحر الوجود
فالإله العظيم لا يرجم العبد إذا كان في جلال السجود

الاثنين، 20 أكتوبر 2008

 
اذا لم تكن أهلا لكلمة
أحبك فلاتقلها

السبت، 18 أكتوبر 2008

 

هذيان الفراق ..!!


أفترقناوليس بى أى شىء !! انا لا ازال متماسكة .. كلا .. أنا متصدعة البنيان قليلا لا .. لا شىء بى كل ما فى الامر أنه لم يعد نعم لم يعد يلقانى ولا عاد يحدثنى أنا لاأسمع الا طنين السكون وخواء الكون .. سكت الصوت وتلاشت الصورة .. كل شىء تساقط ثم انحدر فاندثر .. كلا !! اللاشياء كما هيا تذرف معى دموع الألم والأنين أين هوا !؟ كنا نرسم لوحة المستقبل ونكتب قصائد العشق بأقلام الحب نغمسها فى مداد الأمل !! أسمع صوت سيارة آه .. كنا فى نزهة .. يأخذنى من بين ذراعى ويجلسنى ثم ينطلق نجرى خلف الفراشات وسط حقول القمح تلاحقنا ضحكاتنا وتسبقنا أحلامنا !! ونسيم الربيع يداعب عيدان القمح (فتترنح
) سكرى وتأخذنا النشوى !! هنا .كلا بل هناك عند ذاك المنحنى تقابلنا تلثم العين عينا أسدلت جفونها استسلاما وخضوعا يخفق القلب ويشتعل الوجد أراه كل يوم أتبادل معه الحديث كان حديثا تصرخ الكلمات فيه بالصبابة والوجد لكن.. ثمة حديث آخر صامت بلا صوت يعلو الصوت ويدوى فى القلب انفجارا للشوق واشتعال للوجد أصطلى نارا وأكتوى .. لكنى أظمأ فأرتوى تهتز اللأشياء من حولى ..ولا شىء أسمعه لا كلام اللأهل ولا حديث الصديقات !! أشعرأنى أسيل دمعاعلى وجنات الحب هنا .. وأنى أثير يتطاير فى سماوات الوجد هناك وأنا أسرى مسرى السكون فى سراديب الصمت فهو معى وأنا معه يحملنى يروينى بأحلى النظرات !! لكنه اختفى يا ناس !! أنا لا أعرف أين ذهب !! كان معى .. فى كيانى .. دما يسرى يتدفق من القلب واليه وفى عيونى .. كان هو .. دمعا يبلل الخد وعلى شفاهى كان دائما ابتسامة تشعل أورا الوجد قال لى اننا لن نفترق واننى حياته حتى مماته واننى فى القلب حتى يشرق الغروب !! قال ذلك وغير ذلك .. هل رآه منكم أحد ؟ ألا يعلم أحد منكم أين ذهب؟ هل سافر دون أن يخبرنى ؟هل تزوج وهاجر الى بلد آخر ؟هل .. لا .. انه هنا .. انه لا يزال حيا .. حاضرا .. انى أسمعه .. صوته هذا أم رجع الصدى ؟يا لهفى عليك أيها الحبيب الساكن فى عمق القلب !! رحماك .. قل لى يا حبيبى أين انت !؟ أرحنى .. أسمعنى صوتك أرنى نفسك .. محياك طيفك !! فى ليلى الطويل يسهر المصباح واللأقداح .. والذكرى معى وعيون الليل يخبو نورها فى أدمعى بين أضلعى ان كنت قد سلوتنى فهلا أخبرتنى !! أم أنك ستعود !؟ ان كنت قد هجرت فقل لى ان كنت قد رحلت الى عالمك الآخر فلماذا لم تأخذنى معك؟ خذنى معك .. أخبو معك .. أذوب معك .. فى أضلعك أو دعنى أودعك لقد أنهينا كل شىء تخطينا كل العقبات وعبرنا كل السدود واجتزنا كل الأسوار أعددنا كل شىء الأمل هدهدناه وليدا بالشوق بين الضلوع .. والشوق أشعلناه حريقا فى خشوع كل شىء كان معدا فلماذا أنقلبت مائدة الأحلام وأنغرست شظايا البعاد فى جسر القلب؟ أين انت؟ من أخذك منى؟ قل بربك بحق الحب الذى جمع بيننا دون معاد .. أين أنت الآن ولماذا البعاد ؟ آه أيها الحبيب الغارب فى أفق الشروق سوف أبحث عنك هناك عند شواطىء البحر .. سوف أجدك هناك !هناك مراتع العشق والصبابة هناك كان اللقاء والموج والرمل والليل والنجم والقمر لكن بحر الأصيل لا يتكلم كلا ولا تكلم بحر الليل!! الصمت والسكون فى حوار أخرس الموجات تتدافع فى تراخ وخمول كأنها تنوح ولا تبوح سوف أسأل الليل والنجم والقمر كانوا معنا أيضا يعرفونه ويعرفوننى

الثلاثاء، 26 أغسطس 2008

 

بعاد البعيد ..!!


بينى وبينك بحساب المساحات أطوال ومسافات ..وبينى وبينك بحساب الوقت والزمان ،دقائق وساعات..ولكن ..بينى و بينك بحساب الحب همزة وصل وهمسة وجد ،ولمسة طيف لطيف!!وعلى الرغم من أنك بعيد بعيد ..هناك فى حضن المدينة الناعسة بين النيل والبحر ،فأنك فى العمق من القلب ..أراك ببصيرتى بعد أن عز على مرآك ببصرى !!هنالك ،حيث تقيم وتسكن ..لا تسكن مشاعرى ،كلا ولا تهدأفى الصدر نبضات القلب وأنا أعرف أنك المستحيل كله ..ولكنى أعرف أن الحب لا يعرف المستحيل ..لذلك استسلم فى نشوة علوية ساحرة لتلك اليد المجهولة ،التى انتزعت قلبى وألقت به بين يديك!! أنا لا ألقى عليك نثرا أو شعرا ..لكنى معقود اللسان ..شارد الفكر أحادث نفسى عنك كثيرا ويشاغلنى طيفك طويلا .. واتذرع بالصبر حتى ألقاك ..!! لكنك تشيح عنى ..وتهرب منى .. أنا أحتضنك بجفن العين ، وأهرع اليك على نبضات القلب !! أسائل تفسى طويلا وكثيرا .. ما الذى أبعد البعيد عنى !؟ما الذى دعاك الى خنق القلب الملهوف للقائك ؟ما الذى دار بمخيلتك حين كان اتفاقنا على اللقاء !؟هل كنت تنوى أن تستدرجنى لأتذوق قسوة الصد دون أن تنطقها ، أم أنك رأيت أن تصفع القلب الراكض نحوك .. بصدودك الراقد فى صدرك ؟حيرنى أمرك ..وأدهشنى ابتعادك وهروبك .. لأنك منيتنى بلقاء ترغبه وبعناق تتشوق اليه ؟! كان الخواء فى المكان مثل خناجر مصوبة الى القلب ،والعين تسعى باحثةعنك لاهثة خلفك ،متطلعة الى لقياك ..لكن الزمان بقسوته دهس القلب وأوجعه ..ثم غرس فيه نصلا حادا ،أدمى القلب واوجعه !! أنا لم أصدق نفسى اًبدا وأنا أشاهد المكان خاليا منك ..!! ورغم ماكان يحيط بالمكان من ضجيج و صخب ..فقد كان فى قلبى سكون يئن بعذاب اللأخفاق ،ويبكى من وجع الانهزام !!ربما كانت لديك أسبابك فى دحر الأمل وقهر الرجاء وذبح القلب !! ربما كانت لك أسباب حالت دونك ودون اللقاء
..لكن لى أيضآ أسبابى التى طيرتنى طير الريح اليك ،وألقت بى فى جحيم الانتظار و لا أمل !! أنت تعرف أسبابى !! انها كثيرة و متعددة.. لعل أهمها أنى أحبك ..وأوسطها أنى أحبك .. و آخرها أنى أحبك !! كان القلب مفعما بالشجن .. و أنا أجر جسدى عبر شوارع المدينة ، أعاتب البحر و أناجى النسيم ، و ألقى بنفسى فى حضن الألم !! يعذبنى السؤال .. لماذا ثم لماذا .. !!(دا الهجر وأنت قريب منى ..كان فيه أمل لوصالك يوم .. لكن بعادك دا عنى .. خللا الفؤاد منك محروم ..) على أنى لم استسلم .. فقد استبد بى الشوق وامتزجت الدهشة بالوحشة ..وأمسكت بسماعة التليفون واجف القلب ترتعد الروح وينتفض الجسد مثل طير ذبيح !! ولم تكن هناك .. ولا كانت كذلك ، بعدها ..وبعدها.. حتى أصبح الهاتف نافذتى التى أشرئب منها بحثا عن الحبيب البعيد المبتعد !! وبينى وبين البحرأربطة من حنين الحب !! فحين أويت الى شواطئه ،داهمتنى أمواج الشوق فأغرقتنى فى حقول الشوك ،وكانت مهاتفة أنستنى البعاد والابتعاد .. وحملتنى الى سماوات معطرة !! كل اليأس زال .. وكل الاحباط انقشع .. وكل الشجن تبدد !! هكذا الحب الذى أعرفه !! ريح تهز البشر فيسقط ثماره ، مثل شجرة مثمرة بالحب !! كدت أقفز عبر الاسلاك طائرا فى قنوات الاتصال ، سابحا فى سماوات الوصال .. عبقرية الحب تتخطى قواعد التعامل بين البشر كل كبير تصاغر .. وكل صغير تنامى !! فالقلب بالنشوة يعفو ولا يغفو .. والروح فى مستقرها تحملنى عبر المسافات اليها .. وتحملها عبر الزمان الى .. آه أيتها (الياسمينة) الباسمة انمحى من ذاكرتى ذاك الغضب .. وصالحنى صوتك .. وقلبك !! أنا لم أبدد الوقت فى عتابك ..ولا فى الوقوف على بابك ولا فى البحث عن أسباب غيابك أنا أحتضنت صوتك الضاحك ولثمت شفاه قلبك الطفل الذى يراوغنى ضاحكا ويشاغلنى هاربا وعائدا !! انى أحبك ولا أدرى لماذا وانى أحبك وليس لى رغبة .. كلا ولا لى هدف أو مسعى بأنك جزء منى أو أنك القلب منفصلا عن الجسد ساكنا هناك فى حضن البحر !! انى أحبك رغم شعورى بصعوبة الطريق و أستحالة الوصال !! وانى أحبك !!أحب ان أسمعك أن آراك أن أرتشف قطرات من أحساس قاهر بالنشوة والارتياح انت الروح لكيانى فسبحان الله !! سبحان الله العظيم سبحان مصرف القلوب

الجمعة، 22 أغسطس 2008

 

أغراض الشعر وأسلوبه ومعانيه


أغراض الشعر وأسلوبه ومعانيه

أولاً: ا لأغراض:
ذكرنا سلفا أن البارودي كان المجدد الأول في العصر الحديث، وأن تجديده قد تمثل في العودة بالشعر إلى عصور الازدهار، وبذا أحيا في الشعر ما اندرس من أغراضه الشريفة، كشعر الفخر، والحماسة، ونحوها ولم يزد على أن توسع في بعض الأغراض وبخاصة في وصف آثار مصر، ووصف الطبيعة كما يراها هو، وجاء بعده أناس تبعوه في ألفاظه وأساليبه.
أما الأغراض فقد وقفوا منها موقفاً أملته طبيعة عصرهم، حيث أقبلوا على بعضها كالوصف والمدح، وأعرضوا عن بعضها كالحماسة والفخر، وتوسطوا في مثل الهجاء، على نحو ما سنذكر لك فيما يلي:
(أ) الوصف: يعد الوصف من الأغراض الأصيلة في الشعر العربي، حيث طرقوا به كل ميدان قرب من حسهم أو إدراكهم أو قام في تصورهم، ولذا لم يكن عجيباً أن يقبل شعراء العصر الحديث عليه أكثر من إقبالهم على أي غرض، فلقد وصفوا الرياض والأشجار والبحار والأنهار، وكل مظهر من مظاهر القبح والجمال أثار في نفوسهم إعجابا أو إنكارا.
وأكثر ما تجد الوصف في شعر شوقي، ومطران، وأمثالهما من شعراء الجمال، من ذلك قول شوقي في وصف البحر في قصيدته الهمزية التي صدر بها الديوان.
وحَدَاهاَ بِمَنْ تُقِل الرجَاءُ
همَتِ الفُلْكُ واحْتَواهَا الماءُ
ـها سَماءً قد أكْبرتْها السماءُ
ضربَ البحرُ ذو العُبابِ حَواليـْ
ض شِباكاً تَمُدُّها الذَأْماءُ
ورأى المارقونَ من شَرَكِ الأرْ
تَتَدَجًى كَأنها الظًلْمَاءُ
وَجِبَالا مَوَائجاً في جِبَالٍ
ــلُ وهاجتْ حُمَاتَهما الهيجاءُ
ودَوِيًا كما تأهًبَتِ الخيـ
كهضاب ماجت بها البيداء
لجًة عند لُجةٍ عنْد أخْرى
يتولى أشباحهنً الخفاء
وسَفينٍ طوراً تلوحُ وحيناَ
كالهوادي يهزهُنَ الحداءُ
نازِلاتِ في سيرهَا صاعداتٍ
وإذا شئْت فالمضيقُ فضاءُ
" ربً " إِنْ شئْتَ فالفضاءُ مضِيُق

(ب) المدح: وهو فن أصيل في الشعر العربي، عرفت شأنه فيما سلف، وفي مطلع العصر الحديث سار الشعراء في مدحهم على سنن أسلافهم، وسار الممدوحون على طريق من سبقهم في إجزال الهبات والمنح ولذا بلغ الشعر في العصر الحديث منزلة حسنة، ثم إن شعراء العصر الحديث اهتموا بالمعاني السامية والصفات الحميدة، ككَرم النفس وسماحة الخلق، وكالعفة، وبعد النظرة وعمق الخبرة، والدهاء، وما إلى ذلك مما يناسب ذوق العصر ويرتاح له الممدوح.
وقامت حملات ضد شعراء المناسبات، فأخذ الآراء يتجافون عن سبيله قليلاً رغم وقوف فحول الكاتبين والناقدين في وجه تلك الحملات، ثم إن شعراء المدح قد عنوا بمدح النبي صلى الله علية وسلم فأكثروا من ذلك، حتى إنك لا تكاد تجد شاعرا إلا وله في ذلك أكثر من قصيدة، ومما يِتصل به مدح الأماكن الفاضلة مثل قصيدة شوقي في مدح الأزهر.
وانثر على سمع الزًمان الجَوْهَرَا
قمْ في فمِ الذُنْيا وحيّ الأزهرا
في مدْحه خرز السماءِ النيًرَا
واجعلْ مكانَ الدُّرً إِنْ فصًلْتًهُ

(جـ) الرثاء: والرثاء أيضًا من الأغراض الأصيلة في الأدب العربي، وهو أكتر اتصالا بالمشاعر الإنسانية بعامة، ولذا نجده يزدهر في العصر الحديث أكثر منه في غيره، فلقد رثى الشعراء العلماء والزعماء والأقربين، كما رثوا المدن والدولة، مثل ما صنع الأندلسيون مثلا، إلا أنهم أكثروا من ذلك وأطالوا فيه، كصنيع شوقي في رثاء المدن التركية، ورثاء الخلافة، وقد يرثي الشخص بأكثر من قصيدة؟ كصنيع حافظ إبراهيم حين رثى الإمام محمد عبده بخمس قصائد، وقد
ينظمون الرثاء في تافه الأمور، كصنيع مطران حين رثى زهرة ذبلت فسقطت فانتهت.
ومما يلحظ في رثاء هذا العصر التفريق بين الندب والتأبين والعزاء. والتعمق في الحديث عِما يسمونه فلسفة الموت، وذلك كثير عند شوقي وبخاصة في رثائه لأبيه من مثل قوله:
لا تَذوقُ النفسُ منها مَرتَيْنْ
يا أبي والموتُ كأس مُرَّةٌ
كل شيء قبْلَهَما أو بَعْدُ هَيْنْ
كيف كانتْ ساعة قضَيْتَها
أمْ شَربْتَ الموتَ فيها جُرْعَتَيْنْ
أشَرِبْتَ الموتَ فيها جرْعة
(د) الغزل: وهو من الفنون التي كان لها شأن عند العرب وازداد شأنها في العصر الحديث، بل لقد وجد من الشعراء من انقطع لهذا الفن وقصر شعره عليه، مثل إسماعيل صبري، ومنهم من كان في غزله تجديد لسنن الشعر، كالتعبير عن شكوى بثه وآلام نفسه، وذلك تجده عند الرافعي في مثل قوله:
والحبُ أهْنَؤهُ حَزِينُهْ
من لِلْمُحبِّ ومن يُعينُه
فَقُولوا كيفَ لِينهُ
أنا َما عَرفْتُ سِوىَ قَسَاوَتهِ
فَأنَاَ الذِي بَقِيَتْ دُيوُنة
إن يُقْضَ دينُ ذوي الهَوَى
فلا يُفَارِقُه رَنينُه
قَلبِي هُوَ الذهبُ الكرِيمُ
ومما يلحظ في غزل أهل هذا الزمان سيطرة الألم والحزن والنظرة المتشائمة فيما نظموا وهذا كثير في شعرْ عبد الرحمن شكري، وإبراهيم ناجي.
(هـ) الفخر والحماسة: وهذان غرضان كان لهما شأن جليل في شعر الأسلاف. أما شعراء العصر الحديث فقد انصرفوا عنهما إلى ما يسمى الشعر الوطني، وإذا فخروا فبأمجاد العرب والمسلمين، وهو كثير عند محرم وشوقي، اللهم إلا ما كان من أمر البارودي الذي فخر وحمس، لأنه كان قائداً غشى ميادين الحرب منازلا الأقران، ولذا جاء في شعره مثل قوله:
تَفَزعَتِ الأفلاكُ والتفتَ الذَهرُ
إذا استَلَّ منا سيًد غَرْبَ سَيْفِهِ
(و) الهجاء: وهو من الأغراض التي قل شأنها في هذا العصر، حيث ترفع عنها الشعراء، وبخاصة الهجاء الشخصي، اللهم إلا ما ندر، وهو متعفف في لفظه، ومنه هجاء أعداء الأمة، وأعداء الإسلام، كهجاء الاستعمار ورجاله، وهو كثير في شعر محرم وحافظ وغيرهما.
وإذا هجوا الأشخاص عابوهم بأخلاقهم وصفاتهم الخُلُقية والنفسية، كصنيع شوقي حين هجا مصطفى كمال التركي.
وقد يأتي منهم ما يخالف ذلك ولكنه يكون على سبيل التندر ومنه قول حافظ إبراهيم في هجاء كتبي:
منه الوقايةُ والتَجَليدُ للكُتُبِ
أديمُ وجهِك يا زنديقُ لو جُعِلَتْ
ولا تُخَافُ عليها سَطْوةُ اللَهبِ
لَمْ يَعْلُها عنكبوت أينما تُرِكَتْ
(ز) الشعر الوطني: ويعنون به ذلك الشعر الذي يصور آلام المواطنين، وآمالهم ونظرتهم إلى المستعمرين وأعداء البلاد، ولذا نجده يمتزج ببعض شعر الهجاء، كالذي ذكرناه هناك من شعر حافظ وشوقي، ولا تكاد تجد شاعراً من أهل هذا العصر إلا وله من هذا الفن نصيب، وأشهرهم في ذلك الشيخ عبد المطلب، ومحرم، ومن أيسر قصائدهم في ذلك دالية حافظ إبراهيم [مصر تتحدث عن نفسها]، ومطلعها:
كَيْفَ أبْني قَوَاعِدَ المَجْد َوَحْدِي
وَقَفَ الخلقُ يَنْظُروْن جَمِيعاً
(ح) الشعر الاجتماعي: ويعدونه من الأغراض الجديدة رغم وجود شيء من ذلك في أيام العباسيين ومنه ما نقرؤه في شعر المعري.
غير أن شعراء العصر الحديث قد أكثروا من نظم الشعر في أحوال المجتمع، والدعوة إلى إصلاح ما فسد من أوضاعه، فتحدثوا عن الفقر وأسبابه، وعن الخيانة لدى المهندسين والأطباء والعلماء والفقهاء وغيرهم، كما تحدثوا عن الخرافات وسيطرتها على المجتمع، ونظموه في تعليم الفتاة وبناء الجمعيات وإمدادها، وغير ذلك.
وأشهر الشعراء في ذلك حافظ إبراهيم، وأحمد الزين، وأحمد شوقي، ومنه قول حافظ في الأضرحة والتقرب إلى أربابها والشكوى من الفقر:
وبألف ألفٍ تُرزَقَ الأمواتُ
أحيَاؤنُا لا يُرزَقونَ بدرهمً
قَامَتْ عَلىَ أحْجَارِها ا لصَّلواتُ
مَنْ لي بِحّظِ النائمين بحُفرةٍ
(ط) الشعر التاريخي والتعليمي: وهذا غرض نظم فيه بعض السابقين مثل، أحمد بن عبد ربه صاحب العقد، غير أن ما أتى به شعراء هذا العصر يختلف كثيراً عما كتب ابن عبد ربه وأمثاله، ذلك أن الأول أشبه بنظم العلوم، أما عند المتأخرين فإنه قد ألبس ثوباً شاعريا حسناً على نحو ما نقرؤه في ديوان " مجد الإسلام " لأحمد محرم، وأدول العرب وعظماء الإِسلام، لشوقي، والعمرية لَحافظ إبراهيم.
(ى)- الشعر الوجداني: ويعنون به ذلك الشعر الذي ضمَّنه أصحابه آلام نفوسهم وآمالهم، واستودعوه همومهم وأثقال أرواحهم، فأتوا فيه بما لم يألفه- كثرة - الشعر العربي القديم ولعل هدا الاتجاه في شعر المتأخرين إنما كان نتيجة تأثرهم بالآداب الغربية التي سيطرت النظرة التشاؤمية على أكثر أشعارها حتى صاروا يجِنحون إلى البكاء ويرتاحون إلى الأنين، ومن أبرز شعراء العصر في هذا عبد الرحمن شكري، والمازني؟ وأحمد زكي أبو شادي.
(ك)- أما أجل هذه الأغراض وأسماها فإنه الشعر الديني. وقد أخرنا الحديث عنه إلى الحديث عن شعر الدعوة الإسلامية وسيأتي إن شاء الله.

ثانياً: المعانيِ:
ترد المعاني على ذهن الشاعر كما ترد على ذهن أي إنسان غير أن استقبالها عند الشاعر وانفعاله بها، وتفاعلها في حسه وشعوره يختلف اختلافاً كبيراً عنه عند الآخرين، ثم إن تعبيرِ الأديب عنها يختلف كذلك عن تعبير الآخرين، لأنه بحسه وذوقه يستطيع أن يلبسها من حلل الجمال ما يعجز عنه سواه، وإنما يتم له ذلك من طريق القدرة على اختيار اللفظ المناسب والتأليف الملائم للمقام، وهذا ما يؤكد صدق قول الجاحظ من أن المعاني مطروحة في الطريق وإنما الشأن في صوغ القالب اللفظي المعبر عنها.
ولقد ورث شعراء العصر الحديث تركة شعرية مهدمة البناء فنزعوا عنها إلى تراث الأسلاف في العصور الأولى واستعان متأخروهم بمعاني ما قرأوه من آداب الأمم فجاءت معانيهم غاية في الجودة والجمال. وليس بالمهم أن تكون معانيهم جديدة، بل يكفي أن يتناول أحدهم المعنى القديم فيجلوه في ثوب جديد.
وربما تناول أحدهم المعنى التافه أو المبتذل فأبرزه في معرض كله جدة وجمال .
وهذا مألوف في شعر " إسماعيل صبري " و " شوقي " و أمثالهما، ومثاله قول مطران في وصف فراشات افتقدت زهرة سقطت واختفت تحت الأعشاب فصرن يحمن حول مكانها بحثاً عنها:
شُبُهاتِ الطَّيْر؟ قَالَتْ وأباَنَتْ
مَا الذِي تَبْغِين مِنْ جَوْبِكِ يَا
هَا هُنَا محبوبةٌ عاشَتْ وَعَانَتْ
نَحْنُ آمَالُ الَصِّبا كَانَتْ لَنَا
مَلَكَتْ بِالحَق والجنةُ دَانَتْ
كَانَت الوَردةُ فِي جَنتنَا
هَبَطتْ عَنْ ذَلِكَ الْعَرْشِ وَبَانَتْ
مَا لَبِثْنَا أنْ رَأينَاهَا وَقَد
إثرها أوْ نَتَلاقَى حَيْث كَانَتْ
فَتَراَنا نَتَحَرى أبَداً

ثالثاً: الأسلوب:
اقتفى طلائع شعراء هذا العصر أثر البارودي في احتذاء أساليب الأقدمين وسار على ذلك كبار الشعراء في كثير من قصائدهم، ولذا نرى القصيدة عندهم في الغالب تبدأ بالنسيب المنتهى بحسن التخلص إلى الغرض المقصود.
وقد يطوّف الشاعر بأغراض شتى في قصيدته، ثم بدأت وحدة الموضوع تسيطر على جل شعرهم، وبخاصة عند كبار الشعراء كحافظ، وشوقي، ومطران.
وأخذ الشعر العربي مكانه الرحب في أذهان الشعراء الذين خلفوا مدرسة شوقي فبدأوا يضيقون بوحدة الوزن والقافية، وكان لهم في نظام الموشحة متنفس، إلا أنهم خرجوا عليه وصاروا إلى الشعر المرسل حتى كان الواحد منهم ينظم كل بيت على قافية، ثم كان خروج أدباء المهجر الشمالي على نظام الوزن والقافية وذلك فيما سمو النثر الشعري أو الشعر المنثور أو القصيدة النثرية.
وجاء (إيليا أبو ماضي) بما سماه مجمع البحور، ثم جاءت نازك الملائكة " وبدر السياب " و" محمد حسن عواد " بما سمو الشعر الحر، وتنافسوا على السبق فيه.
كل هذه أمور عرفتها في حديثنا عن التجديد في الشعر.
أما في اللفظ والعبارة والتأليف فإن الشعراء قد انقسموا في ذلك إلى أربع فرق:
أ- فريق حرصوا على الجزالة والفخامة فتوخوا أساليب العرب الأقدمين فجاء شعرهم مشتملاً برُدة امرئ القيس أو ملتفاً برداء الفرزدق، وأول من يمثل هذا الاتجاه الشيخ "محمد عبد المطلب " الذي لقب (شاعر البادية).
ب- وفريق لزموا الأصالة وحرصوا على أن يظل أسلوبهم قويا رصيناً وأن يكون بيانهم غاية في البلاغة، مع وضوح في اللفظ، وسلامة في التعبير، ومن هؤلاء جمهرة من فحول شعراء هذا العصر كالرصافي، والشبيبي، وشوقي، ومحمود غنيم.
جـ- وفريق ثالث تأثروا بالآداب الغربية، فكان أن عنوا بالمعنى والفكرة أكثر من عنايتهم بالأسلوب؟ ولذا جاء تعبيرهم غائما حيناً وسطحياً حيناً آخر، وممن يمثل هذا الاتجاه " عباس محمود العقاد ".
د- وفريق رابع لم يعد يعنيهم من أمر الفصاحة شيء، ولم يهتموا بالأصالة، ولذا لم يجدوا حرجا في غشيان العامية عالم اللفظ في شعرهم، حتى اقتحمت الألفاظ الأجنبية لغتهم، فجاءوا بمثل (فستان) و(بالطو) ونحو ذلك.
كما صار ضعف التأليف، ودخول الألف واللام على [لا]، النافية، والتعمية والإلغاز مذهباً لهم يَدلُون به على قدرتهم الفنية حسبما يرون، وهذا باب ولج منه إلى عالم الشعر كثير من الأدعياء، واتخذه أعداء العربية منفذاً إلى أهدافهم المشبوهة التي تخفى على الكثيرين.

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

 

انواع الشعر واشكاله

انواع الشعر واشكاله (استعراض لتاريخ مبدعيه من قرن ونصف)
مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور جان لويس جوبير أستاذ النقد الأدبي في جامعة السوربون وكان قد نشر سابقاً عدة كتب نذكر من بينها: الأدب الناطق بالفرنسية «أو الأدب الفرانكوفوني»: منتخبات 1992 ثم نشر كتاباً بعنوان «الشعر» 2003. كما وشارك في تأليف كتاب جماعي ضخم بعنوان: «قاموس الشعر من بودلير حتى اليوم» «2001، المطبوعات الجامعية الفرنسية».
وهو كتاب يستعرض تاريخ الشعر الفرنسي ومشاكله وقضاياه منذ قرن ونصف وحتى اليوم، وهو مرتب بحسب الحروف الأبجدية. وبالتالي فإذا ما أردت ان تعرف شيئاً عن رامبو مثلاً فيكفي ان تفتح القاموس على حرف «الراء»، مادة رامبو حيث تجد عدة صفحات عن هذا الشاعر الكبير وقس على ذلك ما يتعلق بسان جون بيرس، او رينيه شار، أو هنري ميشو، او بول ايلوار، أو اندريه بريتون، أوراغون، وأبو لينير، أو سواهم.
واما هذا الكتاب الجديد الذي بين أيدينا الآن فهو مكرس لدراسة الشعر من الناحية الشكلية أولاً فالمضمونية ثانياً. والكتاب يطرح منذ البداية السؤال التالي: ما هو الشعر؟ هل هو الشكل المطلق للأدب ام انه مجرد نوع من جملة أنواع أخرى كالمسرح، والرواية، والقصة القصيرة، والمقالة، الخ.والواقع ان البعض يعتبره الجوهر بصفحات للادب، فالشعر هو غاية كل أدب، بمعنى آخر فإن كل نوع ادبي ينتهي في نهاية المطاف الى الشعر فالرواية العبقرية مثلاً لا تخلو من الشعر، انظر بلزاك، او فلوبير، او ستندال، الخ.
الشعر هو أعلى درجات الأدب بحسب رأي البعض، ولكن هل اتخذ الشعر شكلاً واحداً على مدار التاريخ؟ على هذا السؤال يجيب المؤلف: لا لقد تجسد في أشكال مختلفة ولكن روح الشعر بقيت هي، وهنا نلاحظ ان المؤلف يفرق بين أربعة انواع من الشعر فيما يخص فرنسا: أولاً هناك الشعر الكلاسيكي الوزن المقفى.
ثانياً، هناك الشعر الرومانطيقي الذي قد يكون موزونا مقفى أيضا ولكنه يختلف عن النوع الاول من حيث المضمون والصور، وثالثاً هناك الشعر الرمزي الذي جسده مالارميه مثلاً أو حتى بودلير ورامبو وفيرلين ورابعاً هناك الشعر السوريالي الذي جسده اندريه بريتون من جملة آخرين فما هي الخصائص التي تميز بين هذه الأنواع الأربعة من الشعر؟
يقول المؤلف بما معناه: لقد سيطر الشعر الكلاسيكي في فرنسا طيلة القرنين السابع عشر والثامن عشر، وفي ذلك الوقت كان الشعراء والادباء بشكل عام يعتقدون بوجود الجمال المطلق في الوجود، وبالتالي فمهمة الشاعر ان يعبر عن هذا الجمال المطلق بلغة مناسبة، لغة متقنة السبك وحسنة الصياغة وكانت للمحسنات البلاغية آنذاك اهميتها: اي التشبيه، والاستعارة والكناية، الخ، ومن أهم الشعراء الكلاسيكيين نذكر راسين، كورنيه، رونساس، الخ.
اما الشعر الرومانطيقي فقد جاء بعد الشعر الكلاسيكي مباشرة وكرد فعل عليه.
ومعلوم ان فيكتور هيغو هو الذي ادخل الرومانطيقية الى فرنسا وقضى على المذهب الكلاسيكي ليس فقط في الشعر وانما ايضاً في المسرح والرواية وبقية الانواع الادبية الاخرى ومن اهم الشعراء الرومانطيقيين نذكر: الفريد دومنيني، جيرار دونيرفال، الفريد دوموسيه، لامارتين، وآخرين عديدين، وحتى بودلير الذي ثار على الشعر الرومانطيقي، أو بالاحرى الميوعة الرومانطيقية كان رومانطيقياً ايضاً بشكل من الاشكال، وكان يقول بما معناه: لا يوجد شعر حقيقي يخلو من النغمة الرومانطيقية. وفي عام 1846 عرف الرومانطيقية على النحو التالي:
إنها التعبير الأكثر حداثة ومعاصرة عن الجمال بمعنى ان التعبير الكلاسيكي عن الجمال اصبح شاحباً ولم يعد يجذب احداً، ثم يقول عنها أيضا: انها تعني التعبير عن الحميمية، والروحانية، واللون، والشطحات اللانهائية.
فالإنسان الرومانطيقي هو شخص حالم يسرح بعينيه في الأفق البعيد. انه انسان حزين في اعماق اعماقه ولكنه حزن أغلى من الفرح وأهم لانه حزن انساني: اي مليء بالمشاعر الانسانية.
ثم يردف المؤلف قائلاً: ومعلوم ان الشعر الرومانطيقي يمجد النزعة الفردية أو بالاحرى التجربة الفردية، كما ويركز على الواقع المحسوس ولكن الملون بألوان العالم الشاحبة أو الفاتحة، وأهم شيء في الرومانطيقية هو انها تبحث عن التشابهات اللانهائية الموجودة في الكون او في أحضان الطبيعة، وهي تشابهات لا تراها إلا عين الشاعر، فالشاعر يرى ما لا يرى بالعين المجردة ويحس بأنين الشجر وآلام الغيوم، والرومانطيقية تبحث في الواقع عن الجوهر الأسمى، عن الرسالة السماوية الأسمى في الكون.
ويبدو ان لامارتين عندما نشر ديوان «التأملات» عام 1820 أحدث أول صدمة رومانطيقية في فرنسا، وكان عمر فيكتور هيغو آنذاك ثمانية عشر عاماً فكتب يقول: أخيراً جاءنا الشعر الذي ننتظره، هذا شعر يستحق اسمه!
والشيء الذي اضافه لامارتين الى الشعر الفرنسي عندئذ لم يكن ثورة في الموضوع المطروق او المضمون فقد تحدث عن موت حبيبته، وهو موضوع مكرر سابقاً ومعروف.
ولم يحدث ثورة في الشكل الشعري، فقد ظلت قصائده موزونة ومقفاة، وظل يستخدم تعابير نبيلة تليق بلغة الشعر كما يقال. ولكن الشيء الجديد الذي اتى به هو العلاقة الجديدة بين الشاعر وقصيدته، هو انعدام المسافة بينهما على عكس الشاعر الكلاسيكي، الشيء الذي اضافه لامارتين الى الشعر هو: الانصهار الكامل بين الشاعر وقصيدته وهنا تكمن إحدى ميزات الشعر الرومانطيقي.
وقد عبر الناقد الفرنسي غايتان بيكون 1915 ـ 1976 عن ذلك عندما قال: الشيء الجديد الذي ظهر مع الرومانطيقية هو الشعر كوجود وليس كحلى بلاغية خارجية. فالكلام الشعري اصبح يقترب من موضوعه الى درجة الاتحاد به من خلال الاحتراف والمعاناة.
والواقع ان لامارتين نفسه كتب مقدمة للطبعة الجديدة في ديوانه عام 1949 وقال: لم اعد اقلد احداً اصبحت اعبر عن نفسي ولواعجي وهمومي فقط من اجل نفسي. لم تعد اشعاري صنعة ولا حرفة، اصبحت جزءاً مني وهدفها التخفيف من آلامي وأحزاني، اصبح الشعر دواء وعلاجاً بالنسبة لي. ان هذه القصائد ما هي إلا تأوهات او حتى صرخات قلب.
ثم يردف البروفيسور جان لويس جوبير قائلاً:
ولهذا السبب فإن الحركة الرومانطيقية عندما ظهرت كانت بمثابة ثورة أدبية حقيقية. فالعالم الأدبي لم يعد يدور حول الشمس القديمة لتقليد القدماء ومحاكاتهم وانما اصبح يجد في شخص الشاعر ذاته وفي الفعالية الشعرية ذاتها مركز اهتماماته، وهنا يكمن الفرق ايضاً بين الشعر الكلاسيكي والشعر الرومانطيقي والواقع ان هذه الثورة الشعرية ليست معزولة عما يحيط بها.
فقد حصلت بعد الانقلابات الكبرى التي غيرت وجه التاريخ في القرن الثامن عشر، ومعلوم ان الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789 خلخلت النظام القديم للعالم، وكان لابد للشعراء أو الفن بشكل عام، ان يواكب هذه الثورة ويحدث داخل ثورة موازية.
لقد اصبح الشعر الرومانطيقي عبارة عن فن اللغة الخاصة اي اللغة الشخصية للشاعر، وفتح الطريق بذلك امام استكشاف العلاقات التي تربط بين الأنا الذاتية والعالم الخارجي الموضوعي، وهكذا أصبحت الغنائية هي السمة الأساسية للشعر الرومانطيقي لان الغنائية هي افضل تعبير عن حميمة الذات ولواعجها الداخلية.
وفي عام 1822 كتب فيكتور هيغو يقول: الشعر هو الشيء الحميمي في كل شيء، وفي النهاية فإن مجال الشعر لا حدود له.
اما الشعر الرمزي فقد ظهر في فرنسا بعد ان استنفدت الحركة الرومانطيقية امكانياتها وبعد ان أصبحت النزعة الغنائية مملّة وعقيمة على يد الشعراء الصغار الذين يتبعون لامارتين، أو فيكتور هيغوا أو الفريد دوموسيه.. لقد تحولت الى ميوعة مكرورة وفارغة من الحياة، وهذا ما يحصل لكل شيء إذا ما بالغنا فيه.
ولهذا السبب ثار بودلير على الرومانطيقية التقليدية في الوقت الذي حافظ فيه على جوهر الشعر الرومانطيقي، وراح يخترع لغة شعرية جديدة تبدو ظاهرياً وكأنها باردة أو موضوعية أكثر من اللزوم، ولكنها في الحقيقة تشتعل بالنار في دواخلها. فرفضه للميوعة الغنائية لا يعني انه فاقد الأحاسيس أو بارد المشاعر وانما يعني ان هناك طريقة أخرى للتعبير عن لواعج الذات.
وهي طريقة أقل صراخاً وعويلاً ونحيباً، ولكن أكثر فعالية.
وهكذا حلّت المدرسة الرمزية محل المدرسة الرومانطيقية وظهر شعراء جدد يرفضون تقليد فيكتور هيغو بأي شكل. نذكر من بينهم بودلير نفسه ثم الجيل الذي تلاه مباشرة: أي جيل فيرلين ورامبو ومالارميه. ومعلوم ان قصيدة «القارب السكران». التي كتبها رامبو وهو في السابعة عشرة كانت تعتبر تجاوزاً لكل شعر فيكتور هيغو. أما مالارميه فقد وصل باللغة الرمزية إلى مداها الأخير.
ولهذا السبب فان البعض يتهمه بالغموض الزائد عن الحد، ويقال بانه أصعب شاعر في اللغة الفرنسية.
والواقع ان النصف الثاني من القرن التاسع عشر شهد عباقرته الكبار من أمثال بودلير، فيرلين، لوتريامون، رامبو، وهذان الأخيران هما اللذان فجرَّا اللغة الشعرية الفرنسية بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، وفجرا في ذات الوقت القيم الفرنسية عن طريق انتفاضة لا مثيل لها ضد نظام المجتمع، وهذا التفجير الشكلاني والمضمون للشعر تجلى في «فصل في الجحيم» و أشراقات «لرامبو. كما وتجلى في «أناشيد مالدورور» و«أشعار» للوتريامون.
ثم يواصل المؤلف شرحه للتطورات التي طرأت على الشعر الفرنسي قائلاً: ثم جاءت بعد ذلك المرحلة السوريالية، وكان ذلك في بدايات القرن العشرين وعلى أثر الحرب العالمية الأولى. فهذه الحرب شكلت صدمة موجعة للنفوس والضمائر، ولذلك تشكلت هذه الحركة الأدبية الرافضة والمتمردة كرد فعل عليها، وعندئذ أصبحت الحركة السوريالية هي المدرسة الأدبية المهيمنة على القرن العشرين في فرنسا. فمسرح العبث الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية له علاقة بها أيضاً، وكل الحركات المتمردة شكلاً ومضموناً لها علاقة بالسوريالية بشكل أو بآخر.
وفي البداية كانت السوريالية تريد ان تجب ما قبلها كلياً. فقد كان الغضب عارماً على المجتمع وكل القيم التي أدت إلى هذه المجزرة الوحشية: أي الحرب العالمية الأولى، وكان بريتون يشعر برغبة عارمة لتدمير كل شيء كان موجوداً سابقاً والبدء من جديد، ولذلك أسس الحركة السوريالية لمنع حصول ما حصل من أعمال مرعبة سابقاً.
وأراد القيام بثورة عقلية، ولهذا السبب جمع بريتون «1896 ـ 1966» حول مجموعة من الشعراء والأدباء الشباب كأراغون «1897 ـ 1982»، وفيليب سوبول «1897 ـ 1990»، وبول ايلوار «1895 ـ 1952»، وقد رحبوا بأفكار الحركة الدادائية التي كانت قد ظهرت في زيوريخ منذ عام 1906، وهي حركة تميزت بتحدي المجتمع التقليدي والقيام بحركات استفزازية ومضادة للتعليمات السائدة.
كما وتميزت الدادائية بالفوضوية، والعفوية الخلاقة، والتفجير الراديكالي للغة.
وكان مؤسسها شخص يدعى ترسيتان تزارا «1896 ـ 1963»، وهو من أصل روماني، وقد وصل إلى باريس عام 1919 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، وحمل معه فكرة الانقلاب على كل شيء والاشتباه بكل شيء إلى حد النفي الكامل للقيم.
ثم يردف المؤلف قائلاً: والواقع ان روح التمرد والرفض ظلت المحرك الأساسي للحركة السوريالية، ولكن بما ان الحركة الدادائية كانت قد وصلت بالتدمير والتخريب إلى حده الأقصى، أي إلى حد تدمير ذاتها والاشتباه بقيمها، فإنها غرقت في بحر من العدمية، وكان ذلك شيئاً متوقعاً.
فالشك في كل شيء سوف يصل بك يوماً ما إلى الشك في ذاتك وتدمير نفسك بنفسك.
وهنا راحت الحركة السوريالية تتمايز عن الحركة الدادائية وتنفصل عنها. فقد تغلّبت على العدمية عن طريق شعلة الأمل بتغيير الحياة والتوصل إلى حياة أخرى غير هذه الحياة المبتذلة، الواقعية، الجامدة، النثرية.
ثم استفادت الحركة السوريالية من نظرية فرويد عن الأحلام والعقل اللاواعي، وراحت تحبّذ الكتابة الأتوماتيكية التي تسجل ما يدور في باطن اللاوعي كما هو بدون أي تدخل للعقل الواعي الذي شبهوه بالبوليس، وبالمخابرات! فالحياة الحقيقية هي حياة اللاوعي، والحقيقة تخرج من أعماق اللاوعي وليس الوعي، ولذلك فإن الإنسان يقمع لا وعيه لكيلا يكتشف الآخرون حقيقته وما يدور في أعماق أعماقه.
أما بريتون فقال: اكشفوا عما يدور في تلك القارة المظلمة والهائجة والتي تدعى اللاوعي وعندئذ تتوصلون إلى الكتابة الحقيقية، ومعلوم ان اندريه بريتون ذهب إلى فيينا والتقى بفرويد مؤسس نظرية اللاوعي وعلم التحليل النفسي وتحدث معه عدة ساعات، ولكنه خرج مخيب الآمال فيما يخص مفهوم فرويد للأعمال الأدبية. أو قل بأنه لم يستطع الاتفاق معه على مفهوم التجديد الأدبي والفني، وربما كان فرويد لا يزال سجين النظرية الكلاسيكية للإبداع الأدبي، وعلى أية حال فان بريتون لم يستطع إقناعه بمشروعية الحركة السوريالية إلا نصف إقناع.
الكتاب: أنواع الشعر وأشكاله
الناشر: ارمان كولان - باريس 2003 - ((البيان))

الخميس، 7 أغسطس 2008

 

استعادة الحب


الحب شعور وتصرف .ويبدأ الحب دائما بالشعور ثم التصرف ..وقد لا يصل الى مرحلة التصرف تلك حكاية الحب الشرقى .. أما الحب فى الغرب فالشائع عندهم أن التصرف يولد الحب . والشعور،وصفناه ،بأنه

(ميل الى شخص آخربقوة قاهرة لسبب غير معلوم).أما التصرف فهو سلسلة من الأفعال تفصح عن الشعور أو(تفصح)الشعور المستكين .وعندنا فى الشرق صورة وحيدة للحب الذى يسبق فية،التصرف ميلاد الشعور،وهو الحب بالتعود .وأحب أن أذكربأن الحب بالتعود غير الحب التراكمى .ففى الحب بالتعود ،ينعدم الشعور بالبداية .لكن الاستمرار فى التعامل (قد)يولد الشعور بالحب . أما الحب التراكمى فهو يبدأ بالشعور بالميل الخفيف .. أو الاعجاب .. أوالاستحسان ..ويبدو القلب منفتحا منذ البداية لمرور الحب يوما بعد يوم حتى تتراكم مشاعر الاعجاب المتتالية الى شعور كامل بالحب ..

الأرشيفات

أكتوبر 2007   نوفمبر 2007   أغسطس 2008   أكتوبر 2008   نوفمبر 2008  

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

الاشتراك في الرسائل [Atom]