Efrah Ya Qalbi

الأربعاء، 7 نوفمبر 2007

 

الــمـوسـيـقـار مـحـمـد القـصبـجـي



محمد القصبجي ومشوار فني حافل بالأعمال التي لا تنسي محمد القصبجي من أعلام الموسيقي والتلحين وأستاذ في آلة العود، اقترن اسمه باسم أم كلثوم وغنت له أروع أغانيه كما لحن لها أجمل أغانيها، ومعا حققا مجدا فنيا لا يضاهي جمع الموسيقار محمد القصبجي بين الحداثة والرومانسية في نسيج جديد علي الموسيقي العربية وما أدخله من تطوير علي فنون الموسيقي العربية جعله يقف بجدارة في مصاف الرواد من ابرز إنجازاته الفنية ما حققه من تطوير لأشكال الغناء التقليدي كالدور والطقطوقة، واتخذت الأغنية بفضله شكلها المعروف اليوم، كما كان له دور في تطوير الموسيقي البحتة والتخت الشرقي. رحلة حياته ولد الفنان محمدالقصبجي بالقاهرة عام 1892، نشأ في بيئة موسيقية فنية حيث كان والده يدرس آلة العود ويلحن للمطربين، فأحب الموسيقي ومال إليها منذ الصغر، وكبرت هوايته معه منذ أوائل طفولته عندما ألحقه والده بالكتاب ليحفظ القرآن الكريم، واستمرت وهو بالأزهر الشريف حيث درس اللغة العربية والمنطق والفقه والتوحيد، ثم بعد التحاقه بدار المعلمين التي تخرج منها معلما. كان علي الشاب محمد أن يلتحق بمهنة التدريس لكن هوايته الموسيقية تملكت حواسه ومشاعره وملأت عليه خياله، وكان قد سار حتي الآن علي رغبة والده الذي أراد له احتراف العمل الديني، لكن الوالد الذي لاحظ هواية ابنه لم يحرمه تماما منها، وأمام رغبة الشاب الصغير الملحة في تعلم الموسيقي قرر أن يعلمه بعض علومها، وأن يدربه علي عزف العود خلال أوقات فراغه فتهدأ نفسه بهذه الهواية الجميلة عسي أن يساعده ذلك علي الدراسة والبحث، فمارس محمد القصبجي هوايته المفضلة جنبا إلي جنب مع دراسته، ثم عمل معلما بعد تخرجه من دار المعلمين لسنوات قليلة.
تمكن القصبجي من أصول العزف والتلحين وساعده ثقافته العامة في طرق هذا المجال باقتدار وبدأ يعمل للفن، ثم ترك مهنة التدريس وتفرغ تماما للعمل الفني، وكانت أول أغنية له من نظمه وتلحينه ومطلعها ما ليش مليك في القلب غيرك، وحينما طلبت منه شركة اسطونات تسجيل هذا اللحن للمطرب زكي مراد والد الفنانة ليلي مراد، وكان أحد مشاهير المطربين، بدأت رحلة المستقبل كما وصفه القصبجي الملي بالأماني الكثيرة والألحان الساحرة، فأصبح يقرأ الأشعار وكتب الأزجال ويقوم بتلحينها رغم عدم إذاعتها، ويعرض إنتاجه علي المنتجين، ومن ما كتب ولحن أغنية يا قلبي ليه سرك تذيعه للعيون والحب له في الناس أحكام. في عام 1927 كون محمد القصبجي فرقته الموسيقية التي ضمت أبرع العازفين مثل محمد العقاد للقانون وأمير الكمان سامي الشوا وكان هو عازف العود في الفرقة، وبهذا الشكل كان له تخت محمد القصبجي، لكنه لم يتوقف عند الشكل التقليدي فأضاف إلي فرقته آلة التشيلو وآلة الكونترباص وهما آلتان غربيتان. انتبهت إلي عبقريته شركات الاسطوانات فأقبلت علي ألحانه لتسجيلها، كما طلبها كبار المطربين والمطربات، وعندما طلبت منه منيرة المهدية التلحين لها لحن لها بعض الأغاني والأوبريتات المسرحية، وشجع ذلك الكثيرين غيرها علي الغناء له فغني له غير زكي مراد الشيخ سيد الصفتي وصالح عبد الحي. أهم محور في حياة القصبجي هو تعرفه بأم كلثوم، ولا شك أنه سعد أشد السعادة بهذا اللقاء إذ أنه أحس بأن صوت أم كلثوم يمكن أن يقدمه إلي الجمهور في أبهي صورة، وكان طموح القصبجي الفني يجعله يبحث عن أفضل الأصوات التي يمكنها أداء ما يريده من تجديدات وإضافات إلي أساليب التلحين والغناء الشرقي، وقد بدأ تعارف القصبجي وأم كلثوم عن طريق شركة أوديون التي كانت قد اشترت منه أغنية قال حلف ما يكلمنيش فطلبت منه تسجيلها بصوت أم كلثوم، فبدأ القصبجي تدريب أم كلثوم علي اللحن. ولا شك أن أم كلثوم أيضا سعدت بشدة للقاء القصبجي، فقد أحست، وصرحت له بشعورها، بأنها قد عثرت علي كنز، وبدأت بينهما صداقة فنية متميزة، وكان لها ليس فقط ملحنا، بل استاذا ومعلما، وبعد أول أغنية غنت له إن حالي في هواها عجب، مقام عجم، ثم بدأت سلسلة من ألحان القصبجي لأم كلثوم بلغت حوالي 70 لحنا كان آخرها رق الحبيب من شعر أحمد رامي. يعتبر محمد القصبجي من الملحنين ذوي الإنتاج الغزير وتجاوزت ألحانه الألف لحن، نال معظمها الشهرة والانتشار، وغني له أساطين الغناء مثل منيرة المهدية، أم كلثوم، أسمهان، وصالح عبد الحي. صاحب محمد القصبجي في رحلته الفنية الشاعر أحمد رامي، وكون الاثنان معا ثنائيا فنيا نادر الوجود، وقد امتزجت ألحان القصبجي الحالمة بكلمات رامي الرقيقة فأطلقا أعذب الأغاني التي رقت لها الأسماع والمشاعر، وأكمل صوت أم كلثوم الثالوث الفني الذي ترك رصيدا من الإبداعات أصبحت من كنوز الشرق. خصائص فنه قدم الموسيقار محمد القصبجي أعمالا سابقة لعصرها في الأسلوب والتكنيك، وأضاف للموسيقي الشرقية ألوانا من الإيقاعات الجديدة والألحان سريعة الحركة والجمل اللحنية المنضبطة البعيدة عن الارتجال، والتي تتطلب عازفين مهرة علي دراية بأسرار العلوم الموسيقبة، كما أضاف بعض الآلات الغربية إلي التخت الشرقي. كل هذا أدي إلي ارتفاع مستوي الموسيقي والموسيقيين أيضا، وبالإضافة إلي الأجواء الرومانسية الحالمة التي أجاد التحليق فيها اكتسبت ألحان القصبجي شهرة واسعة وجمهورا عريضا ويمكن القول بأنها حملت أم كلثوم إلي القمة. كانت أصوات أم كلثوم وفتحية أحمد وأسمهان بالنسبة إليه وسائط جيدة قدم من خلالها ما أراد للجمهور، وقد ساهم هو في صنع تلك الأسماء بلا شك. أما موسيقاه التي لم تقترن بأصوات كمقدمات الأغاني وما تخللها من مقاطع أو كمقطوعات موسيقية فقد جسدت مثالا لما يطمح إليه من تطوير وقد برع في تقديم أفكار موسيقية جديدة فتحت الباب للتنويع والابتكار. ومن مقطوعاته الموسيقية مقطوعة بعنوان ذكرياتي غير فيها القالب التركي القديم من ميزان السماعي إلي إيقاعات متنوعة وإن احتفظ فيها بالتسليم الذي تعود إليه الموسيقي في النهاية، وتباينت مقاطعها بين الوحدة الكبيرة والعزف المنفرد علي العود غير المصحوب بإيقاع، وفي النهاية مقطع شبيه باللونجا، وتطلبت تكنيكا جديدا في العزف وهي مقطوعة قلما لا يعرفها عازف عود أو كمان. وللقصبجي أسلوب فريد اتسم بالشاعرية وقد اختار لألحانه أفضل الكلمات وأرقها، وقد اجتذب علي الأخص جمهور المثقفين والطيقة المتوسطة التي كانت آخذة في النمو في ذلك الوقت. وعلي طريق تطوير الأداء الموسيقي استخدم القصبجي آلات غربية مستحدثة علي التخت الشرقي فأضاف صوت آلة لتشيللو الرخيم والكونترباص المستعملتين في الأوركسترا الغربي من العائلة الوترية ذات الحجم الكبير، وهذه الآلات لا تصاحب المغني في أدائه علي عكس بقية أعضاء التخت، وإنما تصدر نغمات مصاحبة في منطقة الأصوات المنخفضة مما يعطي خلفية غنية للحن الأساسي،مما أعطي عمقا لأداء الفريق لم يعهد من قبل في الموسيقي الشرقية التي طالما اعتمدت علي التخت الشرقي البسيط المكون عادة من العود والكمان والقانون والناي بالإضافة إلي آلة إيقاع. وهذه الإضافة تدلنا علي أن محمد القصبجي كانت له طموحات موسيقية جاوزت حد التلحين والغناء وأنه أراد تطوير الأداء وتقديم الجديد في الموسيقي. كان محمد القصبجي صاحب مدرسة خاصة في التلحين والعناء ولم يقلد أحدا في ألحانه، وقد صنع في ألحانه نسيجا متجانسا بين أصالة الشرق والأساليب الغربية المتطورة فكان بذلك مجددا ارتقي بالموسيقي الشرقية نحو عالم جديد، واهتم كثيرا بالعنصر الموسيقي إلي جانب العنصر الغنائي في أعماله. وكما هو الحال مع الرواد فإن ألحان القصبجي ما زالت تردد لليوم، وكثير من أغاني القصبجي شائعة ومحبوبة لخفة ألحانها ورشاقتها وسهولة أدائها، وقد لا تتعرف الأجيال الجديدة علي اسماء الملحنين القدامي رغم تعرفها علي أغانيهم، لكننا هنا نلقي الضوء علي أسمائهم وأعمالهم حتي تكتمل المعرفة ويرد الجميل إلي صاحبه، ومن أشهر ألحان القصبجي يا بهجة العيد السعيد، مدام تحب بتنكر ليه، ورق الحبيب لأم كلثوم، وليت للبراق عينا وإمتي ح تعرف لأسمهان. أثبت محمد القصيجي قدرته علي تغيير الفكر الموسيقي وأسلوب الأداء بما يجعل إضافاته أساسا بعد ذلك يأخذ به من بعده، وسجل بذلك اسمه في سجل الخمسة الكبار القصبجي المعلم بالإضافة إلي إنتاجه الفني الرائع فقد كان علمه الموسيقي غزيرا، وهو أستاذ لجيل آخر من موسيقيين وفنانين كبار أكملوا المسيرة الفنية في القرن العشرين وقد تعلم منه محمد عبد الوهاب ورياض السنباطي وام كلثوم وأسمهان وفريد، خاصة تعلم العود، وقد قدم القصبجي خدمة جليلة للفن الموسيقي العربي كأستاذ للموسيقي الشرقية وآلة العود بمعهد الموسيقي العربية، فهناك تعلم علي يديه فنانون كثيرون. وأشد المتأثرين بفن القصبجي من الملحنين اثنان هما رياض السنباطي وفريد الأطرش. وقد بدأ السنباطي حياته الفنية بحفظ وغناء ألحان القصبجي، وعندما بدأ التلحين كان واضحا في ألحانه انتمائه إلي تلك المدرسة التي نشأ فيها، إلي درجة التشابه الشديد أحيانا في الألحان، ومن المعروف أن السنباطي من تلاميذ القصبجي في العزف علي العود. أما فريد الأطرش فلم يستطع الفكاك من مدرسة أستاذه، والواقع أن أشهر معزوفاته وتقاسيمه علي العود والتي اشتهرت في سائر أنحاء الوطن العربي هي نسخ من تقاسيم محمد القصبجي الذي لم يكن يؤديها في حفلات علي الجمهور كما كان يفعل فريد، بل إن ألحان فريد الأطرش والمعروفة بجمل لحنية معينة تكررت في أغانيه مقتبسة من ألحان القصبجي ربما كما هي. القصبجي وأم كلثوم بدأ محمد القصبجي التلحين لأم كلثوم عام 1924 بأغنية من نوع الطقطوقة هي قال إيه حلف ما يكلمنيش من مقام الراست، لكن العلاقة بينهما لم تبدأ من فراغ، فقد كان معلمها ومرشدها، وتعلمت علي يديه أصول المقامات والعود، و كان هو الذي اقنعها بالتحول من الانشاد الديني إلي الغناء، وبذلك يكون هو المكتشف الحقيقي لأم كلثوم. قدم محمد القصبجي أم كلثوم في ما قارب 70 لحنا، وهو بذلك يحتفظ بأطول قائمة من ألحان أم كلثوم بين جميع من لحنوا لها بعد رياض السنباطي، ولولا توقفه عن التلحين لفترة طويلة لكنا استمعنا إلي روائع أخري كثيرة، ويندرج معظم ألحانه في اللون العاطفي الرومانسي وغالبيتها من كلمات الشاعر أحمد رامي فارس الرومانسية الغنائية. من أشهر ما لحن محمد القصبجي لأم كلثوم (إن كنت اسامح سكت والدمع اتكلم الشك يحيي الغرام ما دام تحب بتنكر ليه يا صباح الخير رق الحبيب أيها الفلك الزهر في الروض). في عام 1944 لحن محمد القصبجي رائعته رق الحبيب لأم كلثوم ونجحت نجاحا كبيرا ومازالت تلك الأغنية تتردد لليوم كأحد أفضل ما قدمته أم كلثوم، ولا يزال المقطع الشهير من كتر شوقي سبقت عمري يوحي للسامع حتي بعد مرور عشرات السنين بما قصد الشاعر تصويره وقد نجح القصبجي في التعبير عن الصورة الشعرية بأفضل أسلوب، وللأغنية مقدمة موسيقية متميزة هي من كلاسيكيات الموسيقي العربية. ويقال إن أم كلثوم قد طلبت من القصبجي الاقتصار علي التلحين لها فقط والمقصود بذلك عدم قيامه بالتلحين لأسمهان في ظل المنافسة المشتعلة بين المطربتين لكن القصبجي رفض طلب أم كلثوم، ولم يكن يدرك بالطبع أن أسمهان سترحل عن الدنيا بعد قليل لكنه القدر، توفيت اسمهان لكن أم كلثوم رفضت حينئذ الغناء من جديد للقصبجي ردا علي موقفه، وتوترت علاقتهما مما أدي إلي توقفه عن التلحين لها بعد ذلك، وخسر الجمهور المزيد كنوز القصيجي وروائعه. ومع هذا فقد ظل ضيف شرف في فرقة أم كلثوم الموسيقية كإسم كبير وعازف عود من الطراز الأول، وكان يكفي وجوده في الفرقة وظهوره باستمرار في الصف الأول لإضافة قيمة كبيرة للفرقة ولما تقدمه، بل وشرف كبير للملحنين الجدد الذين قاموا بالتلحين لأم كلثوم بعد ذلك فقد قام بأداء ألحانهم مع فرقة أم كلثوم وهذا في حد ذاته مكسب كبير لأي ملحن بما يوحي به من اعتراف ضمني بجودة اللحن وتمكن الملحن، وقد استمر كذلك طيلة 22 عاما حتي توفي الموسيقار الكبير عام 1966. أسمهان بدأ محمد القصبجي التلحين لأسمهان عام 1933 فلحن لها عدة أغنيات منها كلمة يا نور العيون، اسمع البلبل، كنت الأماني، و أشهرها امتي ح تعرف. كان لأسمهان صوت صاف رقيق وذو إمكانيات عالية ورأي القصبجي في صوت أسمهان وأدائها فرصة لتطوير الاغنية العربية بتطبيق قواعد الأداء الغربي المتطور مع الاحتفاظ بأسس الموسيقي العربية ومذاقها، وقد ولاقت تجربته نجاحا كبيرا تألق معه نجم أسمهان ويبدو أن رفض القصبجي لطلب ام كلثوم بوقف التلحين لاسمهان كان السبب في رفضها ان يلحن لها بعد رحيل اسمهان عام 1944. غير الأغاني لحن القصبجي أربعة أوبريتات هي المظلومة، حرم المفتش، كيد النساء وحياة النفوس. وقدمت ألحانه السينما المصرية في العديد من الأفلام منها أفلام أم كلثوم، أسمهان، ليلي مراد، إبراهيم حمودة، عبد الغني السيد، نور الهدي، صباح، وهدي سلطان، وسعد هؤلاء بألحانه التي ساهمت في صنع أسمائهم، وقد ضمت هذه الأفلام المئات من ألحان القصبجي المتميزة والمنتمية إلي مدرسته الحديثة الراقية ذات المستوي الرفيع. نقد محمد القصبجي رغم كل ما قدمه الموسيقار الراحل من جهد وفن فإنه كان باستطاعته تقديم أكثر مما قدم بكثير، وهناك عدة أسباب جعلت أعماله تكمن في نطاق محدود منها. توقفه عن التلحين لقرابة عشرين عاما، وربما عاد هذا إلي أم كلثوم أكثر منه إلي القصبجي كما تقدم ووفاة أسمهان المفاجئة وهي في سن الشباب، وكان ينوي استثمار إمكانيات صوتها لأقصي حد. عدم توغله كثيرا في المنطقة الشعبية من الفن، وقد يرجع هذا إلي تركيبة القصبجي النفسية والمزاجية الحالمة، وإلي كونه موسيقيا أكاديميا بالدرجة الأولي. الإقلال من القصائد وشعر الفصحي، ولا شك أن هذا البعد قد أضفي الكثير من القيمة إلي فن من لحقوه كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي ولو أنه كان قد أكثر منها لأضاف إلي أعماله الكثير خاصة في ظل قدراته وإمكانياته الفنية العظيمة ورقي فنه بشكل عام. بعده عن المسرح الغنائي، رغم أنه قد لحن للمسرح لكن ليس بقدر كبير، وهذا مما يدعو للاستغراب حقيقة لأن إمكانيات محمد القصبجي الفنية الهائلة كانت تمكنه من خوض هذا المضمار بتمكن تام دون شك، وربما أدي نجاح القصبجي في الأغنية ووصوله إلي القمة من خلالها إلي تشجيع فنانين آخرين علي الاقتصار علي هذا النوع من الفنون الموسيقية كمحمد عبد الوهاب ورياض السنباطي بينما استمر الشيخ زكريا في تقديم عشرات من الأوبريتات المسرحية. غير أن هذه الانتقادات لا تنقص من قيمة أعمال محمد القصبجي بأي حال، والأمثلة كثيرة. فبالنظر إلي سيد درويش وزكريا أحمد نجد أعمالهما قد بنيت أساسا علي الموسيقي الشعبية المستوحاة من كلمات الأغاني التي كتبت معظمها بالعامية المصرية، والقليل من الفصحي، وقد استطاع كلاهما الوصول إلي أعلي الدرجات الفنية عن طريق استثمار الفن الشعبي، وبينما كتب معظم أغاني القصبجي شاعر رقيق كأحمد رامي فقد اعتمد سيد درويش علي كلمات بديع خيري وهو أفضل من كتب ألأغاني الشعبية وهو الذي صور أغاني الطوائف في تلك الصور الغنية التي ألهبت خيال سيد درويش، وأمير شعر العامية بيرم التونسي الذي كتب له نصوص أغاني الأوبريت الشهير شهرزاد، كما اعتمد الشيخ زكريا أيضا كثيرا علي أشعار بيرم الغنائية وكونا معا ثنائيا متجانسا في الفن الشعبي استمر لسنوات عديدة. وعلي العكس فقد بني رياض السنباطي مجده علي تلحين القصائد والموضوعات الكلاسيكية ولم يلجأ إلي الفن الشعبي إلا في حدود. ورغم أن توقف القصبجي عن التلحين بعد اختلافه مع أم كلثوم قد قصر من عمره الفني إلا أن المستوي الفني لا يقاس بالسنين ولا بكم الأعمال، وتكفي الإشارة هنا إلي سيد درويش الذي استطاع تغيير موسيقي أمة بأكملها في ست سنوات فقط هي كل عمره الفني. أما بعد القصبجي عن المسرح الغنائي فربما يعزي إلي تراجع النشاط المسرحي عموما بعد إنشاء الإذاعة المصرية وظهور السينما في أوائل الثلاثينات. ويبقي رصيد الموسيقار الكبير شاهدا علي نهضة حقيقية شهدتها فترة نشاطه، كما تبقي القيمة الحقيقية لموسيقاه مقدرة كما هو الحال مع غيره من الرواد بمعيارين أساسيين أولهما أن الموسيقي أو اللحن يحتفظ بجماله وروعته حتي إذا نزعت منه الكلمات، ومع الكلمات تبدو الألحان معبرة تماما عن مكنونات السطور والشعور، وثانيهما أن موسيقاه حملت إضافات جديدة واستمرت تلك الإضافات كملامح أساسية في الموسيقي بعد ذلك، وبهذا يعتبر أحد المجددين في الموسيقي العربية. وبعد، هذه رحلة قصيرة داخل حياة وفن الموسيقار الكبير المبدع وصاحب مدرسة من أروع المدارس الموسيقية، لكن فنه وجهاده وكذلك صبره وإخلاصه يحتاج تأملها إلي أكثر بكثير
.

تعليقات:
رائع

كـل عـام وانـتم بخــير

عيد اضحى مبارك

اعاده الله عليكم بالخير واليمن والبركـات


تحياتى
 
الواحد لو قعد يقول الله من هنا لحلايب وشلاتين ...مش كفاية .
بجد حاجةمذهلة تدل علي عقل واع ومثقف ومهتم....أحسنت
أوعد ح أكون زائر دائم
 
إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]





<< الصفحة الرئيسية

الأرشيفات

أكتوبر 2007   نوفمبر 2007   أغسطس 2008   أكتوبر 2008   نوفمبر 2008  

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

الاشتراك في الرسائل [Atom]