Efrah Ya Qalbi

الأربعاء، 20 أغسطس 2008

 

انواع الشعر واشكاله

انواع الشعر واشكاله (استعراض لتاريخ مبدعيه من قرن ونصف)
مؤلف هذا الكتاب هو البروفيسور جان لويس جوبير أستاذ النقد الأدبي في جامعة السوربون وكان قد نشر سابقاً عدة كتب نذكر من بينها: الأدب الناطق بالفرنسية «أو الأدب الفرانكوفوني»: منتخبات 1992 ثم نشر كتاباً بعنوان «الشعر» 2003. كما وشارك في تأليف كتاب جماعي ضخم بعنوان: «قاموس الشعر من بودلير حتى اليوم» «2001، المطبوعات الجامعية الفرنسية».
وهو كتاب يستعرض تاريخ الشعر الفرنسي ومشاكله وقضاياه منذ قرن ونصف وحتى اليوم، وهو مرتب بحسب الحروف الأبجدية. وبالتالي فإذا ما أردت ان تعرف شيئاً عن رامبو مثلاً فيكفي ان تفتح القاموس على حرف «الراء»، مادة رامبو حيث تجد عدة صفحات عن هذا الشاعر الكبير وقس على ذلك ما يتعلق بسان جون بيرس، او رينيه شار، أو هنري ميشو، او بول ايلوار، أو اندريه بريتون، أوراغون، وأبو لينير، أو سواهم.
واما هذا الكتاب الجديد الذي بين أيدينا الآن فهو مكرس لدراسة الشعر من الناحية الشكلية أولاً فالمضمونية ثانياً. والكتاب يطرح منذ البداية السؤال التالي: ما هو الشعر؟ هل هو الشكل المطلق للأدب ام انه مجرد نوع من جملة أنواع أخرى كالمسرح، والرواية، والقصة القصيرة، والمقالة، الخ.والواقع ان البعض يعتبره الجوهر بصفحات للادب، فالشعر هو غاية كل أدب، بمعنى آخر فإن كل نوع ادبي ينتهي في نهاية المطاف الى الشعر فالرواية العبقرية مثلاً لا تخلو من الشعر، انظر بلزاك، او فلوبير، او ستندال، الخ.
الشعر هو أعلى درجات الأدب بحسب رأي البعض، ولكن هل اتخذ الشعر شكلاً واحداً على مدار التاريخ؟ على هذا السؤال يجيب المؤلف: لا لقد تجسد في أشكال مختلفة ولكن روح الشعر بقيت هي، وهنا نلاحظ ان المؤلف يفرق بين أربعة انواع من الشعر فيما يخص فرنسا: أولاً هناك الشعر الكلاسيكي الوزن المقفى.
ثانياً، هناك الشعر الرومانطيقي الذي قد يكون موزونا مقفى أيضا ولكنه يختلف عن النوع الاول من حيث المضمون والصور، وثالثاً هناك الشعر الرمزي الذي جسده مالارميه مثلاً أو حتى بودلير ورامبو وفيرلين ورابعاً هناك الشعر السوريالي الذي جسده اندريه بريتون من جملة آخرين فما هي الخصائص التي تميز بين هذه الأنواع الأربعة من الشعر؟
يقول المؤلف بما معناه: لقد سيطر الشعر الكلاسيكي في فرنسا طيلة القرنين السابع عشر والثامن عشر، وفي ذلك الوقت كان الشعراء والادباء بشكل عام يعتقدون بوجود الجمال المطلق في الوجود، وبالتالي فمهمة الشاعر ان يعبر عن هذا الجمال المطلق بلغة مناسبة، لغة متقنة السبك وحسنة الصياغة وكانت للمحسنات البلاغية آنذاك اهميتها: اي التشبيه، والاستعارة والكناية، الخ، ومن أهم الشعراء الكلاسيكيين نذكر راسين، كورنيه، رونساس، الخ.
اما الشعر الرومانطيقي فقد جاء بعد الشعر الكلاسيكي مباشرة وكرد فعل عليه.
ومعلوم ان فيكتور هيغو هو الذي ادخل الرومانطيقية الى فرنسا وقضى على المذهب الكلاسيكي ليس فقط في الشعر وانما ايضاً في المسرح والرواية وبقية الانواع الادبية الاخرى ومن اهم الشعراء الرومانطيقيين نذكر: الفريد دومنيني، جيرار دونيرفال، الفريد دوموسيه، لامارتين، وآخرين عديدين، وحتى بودلير الذي ثار على الشعر الرومانطيقي، أو بالاحرى الميوعة الرومانطيقية كان رومانطيقياً ايضاً بشكل من الاشكال، وكان يقول بما معناه: لا يوجد شعر حقيقي يخلو من النغمة الرومانطيقية. وفي عام 1846 عرف الرومانطيقية على النحو التالي:
إنها التعبير الأكثر حداثة ومعاصرة عن الجمال بمعنى ان التعبير الكلاسيكي عن الجمال اصبح شاحباً ولم يعد يجذب احداً، ثم يقول عنها أيضا: انها تعني التعبير عن الحميمية، والروحانية، واللون، والشطحات اللانهائية.
فالإنسان الرومانطيقي هو شخص حالم يسرح بعينيه في الأفق البعيد. انه انسان حزين في اعماق اعماقه ولكنه حزن أغلى من الفرح وأهم لانه حزن انساني: اي مليء بالمشاعر الانسانية.
ثم يردف المؤلف قائلاً: ومعلوم ان الشعر الرومانطيقي يمجد النزعة الفردية أو بالاحرى التجربة الفردية، كما ويركز على الواقع المحسوس ولكن الملون بألوان العالم الشاحبة أو الفاتحة، وأهم شيء في الرومانطيقية هو انها تبحث عن التشابهات اللانهائية الموجودة في الكون او في أحضان الطبيعة، وهي تشابهات لا تراها إلا عين الشاعر، فالشاعر يرى ما لا يرى بالعين المجردة ويحس بأنين الشجر وآلام الغيوم، والرومانطيقية تبحث في الواقع عن الجوهر الأسمى، عن الرسالة السماوية الأسمى في الكون.
ويبدو ان لامارتين عندما نشر ديوان «التأملات» عام 1820 أحدث أول صدمة رومانطيقية في فرنسا، وكان عمر فيكتور هيغو آنذاك ثمانية عشر عاماً فكتب يقول: أخيراً جاءنا الشعر الذي ننتظره، هذا شعر يستحق اسمه!
والشيء الذي اضافه لامارتين الى الشعر الفرنسي عندئذ لم يكن ثورة في الموضوع المطروق او المضمون فقد تحدث عن موت حبيبته، وهو موضوع مكرر سابقاً ومعروف.
ولم يحدث ثورة في الشكل الشعري، فقد ظلت قصائده موزونة ومقفاة، وظل يستخدم تعابير نبيلة تليق بلغة الشعر كما يقال. ولكن الشيء الجديد الذي اتى به هو العلاقة الجديدة بين الشاعر وقصيدته، هو انعدام المسافة بينهما على عكس الشاعر الكلاسيكي، الشيء الذي اضافه لامارتين الى الشعر هو: الانصهار الكامل بين الشاعر وقصيدته وهنا تكمن إحدى ميزات الشعر الرومانطيقي.
وقد عبر الناقد الفرنسي غايتان بيكون 1915 ـ 1976 عن ذلك عندما قال: الشيء الجديد الذي ظهر مع الرومانطيقية هو الشعر كوجود وليس كحلى بلاغية خارجية. فالكلام الشعري اصبح يقترب من موضوعه الى درجة الاتحاد به من خلال الاحتراف والمعاناة.
والواقع ان لامارتين نفسه كتب مقدمة للطبعة الجديدة في ديوانه عام 1949 وقال: لم اعد اقلد احداً اصبحت اعبر عن نفسي ولواعجي وهمومي فقط من اجل نفسي. لم تعد اشعاري صنعة ولا حرفة، اصبحت جزءاً مني وهدفها التخفيف من آلامي وأحزاني، اصبح الشعر دواء وعلاجاً بالنسبة لي. ان هذه القصائد ما هي إلا تأوهات او حتى صرخات قلب.
ثم يردف البروفيسور جان لويس جوبير قائلاً:
ولهذا السبب فإن الحركة الرومانطيقية عندما ظهرت كانت بمثابة ثورة أدبية حقيقية. فالعالم الأدبي لم يعد يدور حول الشمس القديمة لتقليد القدماء ومحاكاتهم وانما اصبح يجد في شخص الشاعر ذاته وفي الفعالية الشعرية ذاتها مركز اهتماماته، وهنا يكمن الفرق ايضاً بين الشعر الكلاسيكي والشعر الرومانطيقي والواقع ان هذه الثورة الشعرية ليست معزولة عما يحيط بها.
فقد حصلت بعد الانقلابات الكبرى التي غيرت وجه التاريخ في القرن الثامن عشر، ومعلوم ان الثورة الفرنسية التي اندلعت عام 1789 خلخلت النظام القديم للعالم، وكان لابد للشعراء أو الفن بشكل عام، ان يواكب هذه الثورة ويحدث داخل ثورة موازية.
لقد اصبح الشعر الرومانطيقي عبارة عن فن اللغة الخاصة اي اللغة الشخصية للشاعر، وفتح الطريق بذلك امام استكشاف العلاقات التي تربط بين الأنا الذاتية والعالم الخارجي الموضوعي، وهكذا أصبحت الغنائية هي السمة الأساسية للشعر الرومانطيقي لان الغنائية هي افضل تعبير عن حميمة الذات ولواعجها الداخلية.
وفي عام 1822 كتب فيكتور هيغو يقول: الشعر هو الشيء الحميمي في كل شيء، وفي النهاية فإن مجال الشعر لا حدود له.
اما الشعر الرمزي فقد ظهر في فرنسا بعد ان استنفدت الحركة الرومانطيقية امكانياتها وبعد ان أصبحت النزعة الغنائية مملّة وعقيمة على يد الشعراء الصغار الذين يتبعون لامارتين، أو فيكتور هيغوا أو الفريد دوموسيه.. لقد تحولت الى ميوعة مكرورة وفارغة من الحياة، وهذا ما يحصل لكل شيء إذا ما بالغنا فيه.
ولهذا السبب ثار بودلير على الرومانطيقية التقليدية في الوقت الذي حافظ فيه على جوهر الشعر الرومانطيقي، وراح يخترع لغة شعرية جديدة تبدو ظاهرياً وكأنها باردة أو موضوعية أكثر من اللزوم، ولكنها في الحقيقة تشتعل بالنار في دواخلها. فرفضه للميوعة الغنائية لا يعني انه فاقد الأحاسيس أو بارد المشاعر وانما يعني ان هناك طريقة أخرى للتعبير عن لواعج الذات.
وهي طريقة أقل صراخاً وعويلاً ونحيباً، ولكن أكثر فعالية.
وهكذا حلّت المدرسة الرمزية محل المدرسة الرومانطيقية وظهر شعراء جدد يرفضون تقليد فيكتور هيغو بأي شكل. نذكر من بينهم بودلير نفسه ثم الجيل الذي تلاه مباشرة: أي جيل فيرلين ورامبو ومالارميه. ومعلوم ان قصيدة «القارب السكران». التي كتبها رامبو وهو في السابعة عشرة كانت تعتبر تجاوزاً لكل شعر فيكتور هيغو. أما مالارميه فقد وصل باللغة الرمزية إلى مداها الأخير.
ولهذا السبب فان البعض يتهمه بالغموض الزائد عن الحد، ويقال بانه أصعب شاعر في اللغة الفرنسية.
والواقع ان النصف الثاني من القرن التاسع عشر شهد عباقرته الكبار من أمثال بودلير، فيرلين، لوتريامون، رامبو، وهذان الأخيران هما اللذان فجرَّا اللغة الشعرية الفرنسية بشكل لم يسبق له مثيل من قبل، وفجرا في ذات الوقت القيم الفرنسية عن طريق انتفاضة لا مثيل لها ضد نظام المجتمع، وهذا التفجير الشكلاني والمضمون للشعر تجلى في «فصل في الجحيم» و أشراقات «لرامبو. كما وتجلى في «أناشيد مالدورور» و«أشعار» للوتريامون.
ثم يواصل المؤلف شرحه للتطورات التي طرأت على الشعر الفرنسي قائلاً: ثم جاءت بعد ذلك المرحلة السوريالية، وكان ذلك في بدايات القرن العشرين وعلى أثر الحرب العالمية الأولى. فهذه الحرب شكلت صدمة موجعة للنفوس والضمائر، ولذلك تشكلت هذه الحركة الأدبية الرافضة والمتمردة كرد فعل عليها، وعندئذ أصبحت الحركة السوريالية هي المدرسة الأدبية المهيمنة على القرن العشرين في فرنسا. فمسرح العبث الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية له علاقة بها أيضاً، وكل الحركات المتمردة شكلاً ومضموناً لها علاقة بالسوريالية بشكل أو بآخر.
وفي البداية كانت السوريالية تريد ان تجب ما قبلها كلياً. فقد كان الغضب عارماً على المجتمع وكل القيم التي أدت إلى هذه المجزرة الوحشية: أي الحرب العالمية الأولى، وكان بريتون يشعر برغبة عارمة لتدمير كل شيء كان موجوداً سابقاً والبدء من جديد، ولذلك أسس الحركة السوريالية لمنع حصول ما حصل من أعمال مرعبة سابقاً.
وأراد القيام بثورة عقلية، ولهذا السبب جمع بريتون «1896 ـ 1966» حول مجموعة من الشعراء والأدباء الشباب كأراغون «1897 ـ 1982»، وفيليب سوبول «1897 ـ 1990»، وبول ايلوار «1895 ـ 1952»، وقد رحبوا بأفكار الحركة الدادائية التي كانت قد ظهرت في زيوريخ منذ عام 1906، وهي حركة تميزت بتحدي المجتمع التقليدي والقيام بحركات استفزازية ومضادة للتعليمات السائدة.
كما وتميزت الدادائية بالفوضوية، والعفوية الخلاقة، والتفجير الراديكالي للغة.
وكان مؤسسها شخص يدعى ترسيتان تزارا «1896 ـ 1963»، وهو من أصل روماني، وقد وصل إلى باريس عام 1919 أي بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى مباشرة، وحمل معه فكرة الانقلاب على كل شيء والاشتباه بكل شيء إلى حد النفي الكامل للقيم.
ثم يردف المؤلف قائلاً: والواقع ان روح التمرد والرفض ظلت المحرك الأساسي للحركة السوريالية، ولكن بما ان الحركة الدادائية كانت قد وصلت بالتدمير والتخريب إلى حده الأقصى، أي إلى حد تدمير ذاتها والاشتباه بقيمها، فإنها غرقت في بحر من العدمية، وكان ذلك شيئاً متوقعاً.
فالشك في كل شيء سوف يصل بك يوماً ما إلى الشك في ذاتك وتدمير نفسك بنفسك.
وهنا راحت الحركة السوريالية تتمايز عن الحركة الدادائية وتنفصل عنها. فقد تغلّبت على العدمية عن طريق شعلة الأمل بتغيير الحياة والتوصل إلى حياة أخرى غير هذه الحياة المبتذلة، الواقعية، الجامدة، النثرية.
ثم استفادت الحركة السوريالية من نظرية فرويد عن الأحلام والعقل اللاواعي، وراحت تحبّذ الكتابة الأتوماتيكية التي تسجل ما يدور في باطن اللاوعي كما هو بدون أي تدخل للعقل الواعي الذي شبهوه بالبوليس، وبالمخابرات! فالحياة الحقيقية هي حياة اللاوعي، والحقيقة تخرج من أعماق اللاوعي وليس الوعي، ولذلك فإن الإنسان يقمع لا وعيه لكيلا يكتشف الآخرون حقيقته وما يدور في أعماق أعماقه.
أما بريتون فقال: اكشفوا عما يدور في تلك القارة المظلمة والهائجة والتي تدعى اللاوعي وعندئذ تتوصلون إلى الكتابة الحقيقية، ومعلوم ان اندريه بريتون ذهب إلى فيينا والتقى بفرويد مؤسس نظرية اللاوعي وعلم التحليل النفسي وتحدث معه عدة ساعات، ولكنه خرج مخيب الآمال فيما يخص مفهوم فرويد للأعمال الأدبية. أو قل بأنه لم يستطع الاتفاق معه على مفهوم التجديد الأدبي والفني، وربما كان فرويد لا يزال سجين النظرية الكلاسيكية للإبداع الأدبي، وعلى أية حال فان بريتون لم يستطع إقناعه بمشروعية الحركة السوريالية إلا نصف إقناع.
الكتاب: أنواع الشعر وأشكاله
الناشر: ارمان كولان - باريس 2003 - ((البيان))

تعليقات: إرسال تعليق

الاشتراك في تعليقات الرسالة [Atom]





<< الصفحة الرئيسية

الأرشيفات

أكتوبر 2007   نوفمبر 2007   أغسطس 2008   أكتوبر 2008   نوفمبر 2008  

This page is powered by Blogger. Isn't yours?

الاشتراك في الرسائل [Atom]